بقلـم: محمد عبدالمجيد
ماذا لو قرر أحد عمالقة مواقع التواصل الاجتماعي في العالم إسناد مهمة إعدادات الموقع إلى فريق من المبرمجين المحترفين لفتح أبواب بياناتنا على مصراعيها أمام الراغبين في معرفة أدق تفاصيل حياتنا الخاصة لأهدافهم التجارية؟
ماذا لو أصبحت شبكات الحواسيب العملاقة قادرة من تلقاء نفسها ودون توجيه بشري مباشر على عقد صفقات مالية لتحليل وتصنيف بيانات أكثر من ملياري مشترك، ومن ثم التواصل مع كل واحد منهم حسب اهتماماته، لتعرض عليه مبلغاً مالياً شهرياً مقابل إجابته على بعض الأسئلة حول بيانات شخصية “بسيطة”؟
بالطبع، سيكون لدينا الخيار كمستخدمين راشدين ومدركين لحقوقنا ومسئولياتنا أن نختار التواصل مع تلك الآلة التي تحاورنا باستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي أو أن نرفض الأمر من أساسه بكل بساطة.
لكن ماذا عن مئات الملايين من الأطفال والمراهقين، تحت السن القانونية المؤهلة لعقد مثل هذه الصفقة، والتنبه إلى مخاطرها المحتملة عليهم وعلى خصوصيتهم وخصوصية أفراد عائلاتهم وأصدقائهم؟
هذه الفرضية ليست خيالاً علمياً من إحدى الروايات أو الأفلام، بل قصة حدثت فعلياً على أرض الواقع وتسببت بضجة كبيرة على مستوى العالم، حين عمد موقع “فيسبوك” إلى إطلاق برمجية متقدمة تستخدم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي وخوارزميات تعلّم الآلة تحت اسم “فيسبوك ريسيرش” أو “فيسبوك للأبحاث” لتخزين بيانات تفاعلات وتفضيلات مشتركيها عبر الهواتف الذكية مقابل دفع 20 دولاراً شهرياً لكل مشترك يوافق على تحميل البرمجية ومشاركة بياناته.
ذكاء الآلة في هذه الحالة لم يجد ما يقيده من قوانين أو ما ينظّمه من معايير، ولم يميّز بين الشخص المؤهل قانونياً لعقد صفقة تجارية، وطفل أو مراهق دون سن 18 عاماً، قد يرى مبلغ العشرين دولاراً ثروة صغيرة مقابل بعض البيانات التي لا يدرك مدى أهميتها وأثرها على حياته ومحيطه في حال إساءة استخدامها.
عمدت “فيسبوك” إلى سحب البرمجية من التداول وإلغاء العملية برمّـتها، لكن هل يتوقف الأمر عند هذا الحد؟ ماذا لو عمدت شركات أخرى إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي الأخرى مثل التعرّف على الوجوه، أو تقنيات الحوسبة السلوكية، أو غيرها من تقنيات مستقبلية لا نعلم عنها لاقتحام حيّزنا الفردي الشخصي أو خصوصية أطفالنا دون استئذان؟
ولأن الذكاء الاصطناعي يكتب مرحلة جديدة في تاريخ البشرية فإنه يحتاج شأن كل القطاعات إلى قوانين منظمة وتشريعات وأطر عمل واضحة، ويجب على خبراء الذكاء الاصطناعي وصناع السياسات والمسئولين الحكوميين والأكاديميين وضع سياسات عادلة وشفافة ومرنة، والعمل على تأسيس قاعدة بيانات عالمية مشتركة تحمي خصوصية بيانات الأفراد، وتحترم سيادة الدول، وتحمي في الوقت نفسه حقوق الملكية الفكرية لمبتكري تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مختلف المجالات.
Ahmah1712@yahoo.com