أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء، تقريرًا جديدًا يتناول قضية التنوع البيولوجي وتأثيره على تغير المناخ وتشابك العلاقة بينهما وذلك بعنوان “حماية التنوع البيولوجي واستعادة النظم البيئية في ظل مخاطر تغير المناخ”، وذلك من منظورات مختلفة تعكس رؤى كل من الدولة المصرية واتفاقية التنوع البيولوجي (CBD) وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) والاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN) وغيرهم من الشركاء المعنيين بهذا الملف.
أشار المركز من خلال العدد إلى أن “التنوع البيولوجي” يمثل شبكة الحياة بجميع أشكالها على سطح الكرة الأرضية التي تضم جميع الكائنات الحية – ما يقرب من 8 ملايين نوع على هذا الكوكب- من النباتات والحيوانات إلى الفطريات والجينات والبكتيريا، إلى النظم الإيكولوجية البحرية والصحراوية والأراضي الزراعية والأراضي الرطبة والمراعي والبيئات الجبلية التي تؤويها مثل المحيطات والغابات والشعاب المرجانية وغيرهم، فهو المفهوم الذي نستخدمه للإشارة إلى أصناف الكائنات الحية ومواطن أو بيئات معيشة تلك الكائنات؛ وكلها تعد محصلة 4.5 مليارات سنة من تطور الحياة على سطح الأرض.
وهذه الشبكة المتكاملة التي تضم أصنافًا مختلفة من الكائنات ومظاهر الحياة، يتم الاعتماد عليها في كل أمور الحياة كالغذاء والمياه والمناخ والصحة والنمو الاقتصادي وغيرها، وتشير التقديرات في هذا الصدد إلى أن ما يربو على نصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي 44 تريليون دولار يعتمد على الموارد الطبيعية وأكثر من مليار شخص يعتمدون على الغابات لكسب عيشهم.
فعلى سبيل المثال يوفر قطاع مصايد الأسماك نحو 60 مليون وظيفة عالميًا، وترتبط تلك الوظائف ارتباطًا مباشرًا بالصيد والمزارع السمكية، ومقابل كل وظيفة من تلك الوظائف تنشأ 2.5 وظيفة أخرى في سلاسل قيمة مصايد الأسماك، أي 200 مليون وظيفة، 60% منها في الدول النامية، وينطبق هذا الأمر -من حيث اعتماد وظائف بعينها على الموارد الطبيعية- على السياحة البيئية (سياحة المحميات الطبيعية) وغيرها من القطاعات الاقتصادية.
ومن ثم يُعد استمرار تدهور الطبيعة وتقويض التنوع البيولوجي أمرًا بالغ الخطورة على اقتصاديات الدول، ويعرقل خططها التنموية، وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى تغير المناخ -نتيجة الأنشطة البشرية التي لا تراعي بُعد الاستدامة البيئية- باعتباره التحدي الأكثر تأثيرًا على التنوع البيولوجي؛ إذ أدى تغير المناخ إلى تحولات راديكالية في النظم الإيكولوجية البحرية والمياه العذبة في جميع أنحاء العالم كما تسبب في انتشار الفيروسات وزيادة الأمراض وانقراض العديد من الأنواع النباتية والحيوانية ووصل الأمر إلى أن نحو مليون نوع من الكائنات الحية قد أصبح مهدد بالانقراض.
وباستمرار الوتيرة الحالية للتغير المناخي وارتفاع درجة الحرارة الأرض تتزايد مخاطر فقدان النظم الإيكولوجية البحرية والساحلية بغير رجعة، ويمكن الإشارة في هذا السياق إلى تقلص مساحة الشعاب المرجانية الحية إلى النصف تقريبًا في الـ 150 عامًا الماضية، ويُنذر استمرار تغير المناخ بتدمير الشعاب المرجانية المتبقية ليس هذا فحسب بل إن تغير المناخ يقود لتحولات جذرية في مهام النظم الإيكولوجية؛ فاستمراره يؤدي إلى تحول الغابات من كونها مصادر طبيعية لتخزين الكربون إلى مصدر لإطلاق انبعاثات كبيرة من الكربون تفاقم الأزمة، وقد يؤدي تراجع خدمات النظم الإيكولوجية مثل تراجع الأمن الغذائي وفقدان الوظائف التي يخلقها التنوع البيولوجي إلى تدهور صحة الإنسان وتهديد بقائه.
وتأسيسًا على ذلك فإن صون الطبيعة وحماية التنوع البيولوجي لم يعدا محض رفاهية وإنما قضية وجودية وركيزة رئيسة للعملية التنموية فلا تنمية دون حماية للتنوع البيولوجي، كما أن الاستثمار في رأس المال الطبيعي أمر بالغ الأهمية للتخفيف والتكيف مع تغير المناخ، ذلك لأن تحسين قدرة الطبيعة على امتصاص انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من شأنه تحقيق ثلث التخفيضات من تلك الانبعاثات المستهدفة خلال العقد المقبل.
وأوضح مركز المعلومات خلال التقرير أن التنوع البيولوجي هو جوهر الحياة على كوكب الأرض وذلك للأسباب التالية:
-التنوع البيولوجي بقطاع الزراعة يساعد على بقاء التربة في وضعها الأمثل للزراعة؛ وذلك بالحفاظ على الآفات والبكتيريا المفيدة للتربة بالإضافة إلى عملية تلقيح النباتات المسؤولة عن ثلث إنتاج المحاصيل في العالم.
-التنوع البيولوجي يعد الركيزة الرئيسة لتأمين احتياجات الإنسان الأساسية من الغذاء إذ توفر الأسماك نحو 20% من البروتين الحيواني لقرابة 3 مليارات شخص وتوفر النباتات نحو 80% من النظام الغذائي للإنسان.
-تعتمد الكثير من المجالات الصحية والطبية على التنوع البيولوجي، فنحو 80% من الأشخاص في الدول النامية يعتمدون على النباتات كمصدر للأدوية التقليدية وربع الأدوية الحديثة مشتقة من النباتات الاستوائية، كما أن نحو 70% من الأدوية المسجلة لعلاج السرطان هي في الأساس منتجات طبيعية.
-تعمل الغابات والمراعي البرية على إبطاء تدفق المياه طبيعيًا مما يقلل من خطر حدوث الفيضانات وتساعد التربة على امتصاص المياه الناتجة عن هطول الأمطار.
-تعمل الغابات أيضًا على تنقية الهواء من الملوثات وامتصاص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي وبالتالي معادلة درجة حرارة الأرض والحد من تغير المناخ.
-تقوم النظم الإيكولوجية البحرية (الشعاب المرجانية وغابات المانجروف) بدور في حماية الشواطئ من العواصف والأمواج.
وأشار المركز إلى مسببات تدهور التنوع البيولوجي، فعلى الرغم من المبادرات والخطط والاستراتيجيات الطموحة لحماية التنوع البيولوجي والحفاظ على عناصره من خطر الفقد والانقراض فإن استمرار الأنشطة البشرية -التي لا تأخذ بعين الاعتبار البُعد البيئي- أدى إلى تدهور وإنهاك النظم الإيكولوجية وتهديد مختلف الكائنات الحية وهو ما أكده تقرير الكوكب الحي لعام 2022 الصادر عن الصندوق العالمي للطبيعة، من خلال إيجاز مسببات فقد التنوع البيولوجي وتدهوره في عوامل خمسة وهي:
1- تغيير/ تبديل الاستخدامات الطبيعية للأراضي والبحار: من خلال البرامج والأنشطة البشرية التي تستهدف التنمية الصناعية وبالتالي قد يؤدي إلى فقدان الموائل الطبيعية سواء كانت الغابات أو السهول أو الأراضي.
2- إساءة استغلال الأنواع البيولوجية (نباتات، وحيوانات، وكائنات بحرية): من خلال الصيد الجائز للحيوانات والأنواع النادرة وإزالة النباتات العشبية النادرة وغياب الإجراءات التي تضمن الحماية لتلك السلالات.
3- تغير المناخ: الذي يتسبب في التغيرات الموسمية التي تؤثر بدورها على الكائنات الحية سواء كانت نباتات أو حيوانات برية وبحرية وبالتالي تحاول تغيير نشاطها بما يتفق مع تلك التغيرات وهو ما قد يؤثر على قدرتها على التكيف.
4- التلوث: الذي يتسبب في تقويض الاستدامة البيئية والإضرار بكل عناصر التوع البيولوجي فعلي سبيل المثال قد ارتفعت معدلات التلوث البحري بنحو 10 أضعاف ما كانت عليه منذ عام 1980، مما أثر بدوره على ما لا يقل عن 267 نوعًا من الكائنات البحرية من ضمنها نحو 86% من السلاحف البحرية وقرابة 44% من الطيور البحرية.
5- الأنواع الغريبة الغازية (التي تغزو الموائل والنظام الإيكولوجية): تعد من الأسباب الرئيسة التي قد تؤدي إلى فقدان التنوع البيولوجي لأنها تتنافس مع الأنواع الطبيعية الموجودة للحصول على مكان للعيش أو الغذاء أو المياه كما أنها أحيانًا تنقل الأمراض وتشكل عاملًا رئيسًا فيما لا يقل عن 40% من الأنواع المهددة بالانقراض.
وقد أكد تقرير الكوكب الحي لعام 2022 أن الارتفاع المستمر في درجات الحرارة خلال الأعوام الماضية أدى إلى تعدد مظاهر تدهور التنوع البيولوجي مثل انخفاض أعداد الحيوانات البرية التي وصل معدل انخفاضها إلى 69% خلال الخمسين عامًا الماضية، كما أكد التقرير أن أعداد الحيوانات البرية التي يتم مراقتها في أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي انخفضت بنسبة 94% في المتوسط بين عامي (1994-2016).
وفيما يتعلق بالبيئة البحرية سوف يسفر الصيد الجائر عن خسارة بيولوجية عديدة، حيث يتعرض 34.4% من المخزون السمكي في العالم للصيد الجائر حاليًا كما أن هذه النسبة مهددة بالزيادة إذا ما استمر الصيد الجائر على ذات النحو وواحد من تلك التداعيات التي تراكم أثرها عبر الزمن هو انخفاض أنواع أسماك القرش والشفنينيات المحيطية بنسبة 71% منذ السبعينيات.
واستعرض المركز في تقريره القائمة الحمراء للاتحاد الدولي للطبيعية، حيث تتبع العوامل المهددة للتنوع البيولوجي من النشاطات والممارسات البشرية بشكل رئيس والتي تسببت في تغيير/ تبديل ثلاثة أرباع البيئة البرية ونحو 60% من البيئة البحرية وعرَّضت مليون نوع من النباتات والحيوانات لخطر الانقراض، وتشير التقديرات في هذا الصدد إلى تراجع النظم الإيكولوجية بنحو 47% مقارنًة بوضعها السابق ونحو 75% من سطح الأرض قد تغير بشكل ملحوظ عما سبق، ونحو 85% من الأراضي الرطبة قد فقدت، فضلًا عن تعرض ما يقرب من 66% من المحيطات لتغييرات جوهرية من قبيل تراجع الشعب المرجانية وتحمض المحيطات وهجرة الكائنات البحرية، فضلاً عن ذلك أوضحت “القائمة الحمراء” للأنواع المهددة بالانقراض الصادرة عن الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN) 2023 أن أكثر من 45 ألف نوع مهدد بالانقراض، (21% من الزواحف، 37% من أسماك القرش، 41% من البرمائيات، 34% من الصنوبريات، 36% من الشعب المرجانية، 26% من الثدييات، 12% من الطيور، 70% من السيكاديات).
وناقش المركز من خلال التقرير العلاقة بين تغير المناخ وتدهور التنوع البيولوجي، إذا يسهم التنوع البيولوجي في معادلة درجة حرارة الأرض بسبب قدرة ما يتضمنه من نظم إيكولوجية -مثل الغابات أو الأراضي الرطبة أو أشجار المانجروف- على امتصاص الغازات الدفيئة من الغلاف الجوي لا سيما الكربون، وذلك على اعتبار أن نصف الانبعاثات المتولدة لا يتم امتصاصها وتبقى في الغلاف الجوي، في حين أن النظم الإيكولوجية سالفة الذكر تمتص النصف الآخر.
وتجدر الإشارة إلى أن الأراضي الرطبة مثل المستنقعات تساعد في امتصاص وتخزين كميات كبيرة من الكربون تعادل ضعف ما تمتصه الغابات برغم أنها لا تشكل إلا 3% فقط من مساحة كوكب الأرض في حين تمثل مساحة الغابات نحو 30% من مساحة الأرض، بالإضافة إلى قدرة الأعشاب البحرية وأشجار المانجروف على تخزين غاز ثاني أكسيد الكربون بكميات كبيرة.
وتسببت الأنشطة البشرية في تسارع وتيرة التغيرات والحوادث المناخية المتطرفة الناجمة عن ارتفاع درجات حرارة الأرض (موجات الحر والجفاف والفيضانات والأعاصير وحرائق الغابات وارتفاع مستوى سطح البحر وغيرها) مما أدى إلى هجرة أو انقراض الكائنات الحية بسبب تغير طبيعة الطقس وتداخل الفصول من حيث معدلات الحرارة والبرودة وذلك لعدم قدرتها على التكيف مع الأوضاع البيئية والمناخية الجديدة.
وأشارت التقديرات إلى أنه في حال تراوحت الزيادة في درجة حرارة الأرض ما بين 1.5 أو 2 درجة مئوية سيتعرض نحو 4% من الأنواع البرية و13% من الأنواع البحرية لخطر الانقراض، وفي حالة ارتفعت بمقدار 3 درجات مئوية سترتفع تلك النسب إلى 20% و32% على الترتيب.
وبالحديث عن البيئة البحرية باعتبارها الأكثر تأثرًا وحساسية تجاه تغير المناخ فقد تسبب تغير المناخ في زيادة متوسط درجة حرارة المحيطات وزيادة معدل حموضة المياه بفعل امتصاص ثاني أكسيد الكربون وحال ارتفاع درجات حرارة الأرض إلى درجتين مئويتين سيؤدي ذلك إلى اختفاء 99% من الشعب المرجانية الموجودة على كوكب الأرض.