كتب _ محمد عبد النور:
أوضح مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء أن التقنيات الجديدة مثل الهواتف الذكية، والشاشات التفاعلية، ووسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت متأصلة في الحياة اليومية للأطفال؛ حيث أصبحوا “مواطنين رقميين”، مع توفر مجموعة واسعة من الأجهزة الإلكترونية في جميع أنحاء العالم.
وأشار المركز في تحليل جديد له إلى أن تعرض الأطفال للتكنولوجيا الحديثة يمنحهم العديد من المميزات، من بينها التطور المعرفي الأسرع، والإبداع وحرية التعبير، وبناء العلاقات، ومهارات حل المشكلات، واكتشاف القدرات والمواهب أو زيادة الاهتمام البصري، ولكن الأبحاث الحديثة تشير إلى أن استخدام مثل هذه التقنيات، قد يكون له آثار ضارة خطيرة على صحة الأطفال في المدى الطويل، مما يجعل هذا مصدر قلق ملحًا على الصحة العامة، ويؤثر في الصحة العقلية، وزيادة احتمال إصابة الأطفال بالسمنة، ومشكلات سلوكية، وعدم انتظام النوم، وضعف الأداء الأكاديمي، بالإضافة إلى التنمر والاستغلال الإلكتروني للأطفال.
أشار التحليل إلى ارتفاع ساعات استخدام الهواتف ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل ملحوظ منذ عام 2019، حيث أصبحت ملكية الهواتف الذكية أمرًا شائعًا بين الأطفال؛ وتشير البيانات إلى أن 42% من الأطفال في الولايات المتحدة يمتلكون هاتفًا بحلول سن العاشرة، وبحلول سن 14 عامًا، ترتفع نسبة ملكية الهواتف الذكية بين الأطفال إلى 91%، وفي المملكة المتحدة يمتلك 91% من الأطفال هاتفًا ذكيًا بحلول سن 11 عامًا وفقًا لبيانات من هيئة تنظيم الاتصالات Ofcom ، في حين وجدت دراسة أجريت على 19 دولة أوروبية أن 80% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 9 و16 عامًا يستخدمون هاتفًا ذكيًا متصلًا بالإنترنت يوميًّا.
وأضاف التحليل أنه بمجرد حصول الأطفال على الهواتف الذكية، فإنهم يقضون معظم الوقت على وسائل التواصل الاجتماعي؛ حيث تشير التقديرات إلى أن 82% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 8 و12 عامًا لديهم ملفات شخصية على وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات المراسلة، وفقًا لبحث أجرته شركة CyberSafeKids.
كما يقضي حوالي نصف المراهقين الأمريكيين (51٪) أربع ساعات على الأقل يوميًّا في استخدام مجموعة متنوعة من تطبيقات الوسائط الاجتماعية مثل YouTube وTikTok وInstagram وFacebook وX (Twitter سابقًا)، وفقًا لاستطلاع أجرته مؤسسة Gallup عبر سبع منصات تواصل اجتماعي تم اختبارها في الاستطلاع، وتظهر النتائج أن YouTube وTikTok هما أكثر تطبيقات الوسائط الاجتماعية شعبية بين المراهقين.
وأفاد التحليل أنه مع تزايد الوقت الذي يقضيه الأطفال على الإنترنت، أصبحت المخاطر التي يتعرض لها الأطفال عبر الإنترنت كبيرة ومتزايدة، في حين أن المخاطر تختلف حسب العمر والجنس والتعرض عبر الإنترنت وعوامل أخرى، وتُظهر أبحاث اليونيسف أن المخاطر تختلف اختلافًا كبيرًا حسب البلد، وأن مدى الضرر الناجم عن هذه المخاطر يعتمد على عدد من العوامل، مثل مرونة الأطفال، ودعم الوالدين، والمهارات الرقمية (مثل القدرة على إدارة إعدادات الخصوصية).
وقد استعرض التحليل أبرز مخاطر الإنترنت بالنسبة للأطفال:
- تدهور الصحة العقلية: حيث اتفق معظم الخبراء على أن الصحة العقلية بين الشباب شهدت تراجعًا في كثير من بلدان العالم المتقدم، وقد ارتفعت نسبة المراهقين الأمريكيين الذين أبلغوا عن “نوبة اكتئاب كبرى” واحدة على الأقل في العام الماضي بأكثر من 150% منذ عام 2010، كما أن الأطفال الذين يقضون الكثير من الوقت أمام الشاشات هم أكثر عرضة بنسبة 5 مرات لحدوث مشكلات سلوكية. وأفاد 27% من الأطفال الذين استخدموا الإنترنت لأكثر من ثلاث ساعات، عن درجات عالية أو عالية جدًا فيما يتعلق باعتلال الصحة العقلية، ووجدت دراسة في المجلة الدولية لصحة الطفل والتنمية البشرية أن 30% من بين 1500 طفل في الدراسة الذين استخدموا الإنترنت لأكثر من 3 ساعات تم تشخيص إصابتهم بالاكتئاب.
وفي مقال نُشر عام 2022 في مجلة American Economic Review، أبلغ الاقتصاديون عن نتائج تجربة مع الشباب مصممة لتأثير استخدام الشباب لوسائل التواصل الاجتماعي؛ خلصوا خلالها إلى أن 31% من الوقت الذي يقضيه الشباب على وسائل التواصل الاجتماعي ينبع مما وصفه الباحثون بـ “مشكلات ضبط النفس”.
- تدهور الصحة الجسمانية: مقابل كل ساعة إضافية يقضيها الأطفال في مشاهدة الشاشات، يكون الأطفال أكثر عرضة للإصابة بزيادة الوزن أو السمنة بنسبة 16%، بينما ترتبط كل ساعة أقل من النوم بزيادة خطر الإصابة بزيادة الوزن أو السمنة بنسبة 23%.
- التنمر الإلكتروني: كان التنمر يحدث سابقًا في الفصول الدراسية بالمدرسة، والنوادي، والأماكن العامة، لكن اليوم مع إمكانية الوصول إلى التكنولوجيا الرقمية على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع، يقوم المتنمرون اليوم بنشر ومشاركة الصور ومقاطع الفيديو وكذلك الرسائل على وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات الرسائل النصية ومنصات الألعاب وبرامج البريد الإلكتروني بقصد مضايقة الأطفال.
هذا، وتشير التقديرات إلى أن 65% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 8 و14 عامًا شاركوا في نوع ما من حوادث التنمر عبر الإنترنت، وطفلًا واحدًا فقط من بين كل 10 أطفال يخبر والديه أنه تعرض للتنمر، ووفقًا ليونيسف، أفاد أكثر من ثلث الشباب في 30 دولة أنهم تعرضوا للتنمر عبر الإنترنت؛ حيث يتغيب 1 من كل 5 عن المدرسة بسبب ذلك.
ووفقًا لتقرير حالة الفتيات في العالم لعام 2020 الذي أعدته منظمة Plan International، والذي استطلع آراء أكثر من 14000 فتاة وشابة في 31 دولة، فإن أكثر من نصف المشاركين في الاستطلاع تعرضوا للمضايقة والإساءة عبر الإنترنت، وأن واحدة من كل أربع شعرت بعدم الأمان نتيجة لذلك.
- التعرض لمحتوى غير لائق: أكثر من 50% من المراهقين (الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 10 و12 عامًا) تعرضوا لمحتوى غير لائق عبر الإنترنت. كما يستغل المحتالون عبر الإنترنت الأطفال من جميع الأعمار، ويرتكب هؤلاء الجناة اعتداءاتٍ وأعمالَ عنف ضد الأطفال. 80% من المحتالين هم من الذكور، في حين أن 78% من الضحايا هم من الإناث، وفقًا لمركز منع جرائم الأطفال في لوس أنجلوس.
- استغلال الأطفال: غالبًا ما يستخدم المحتالون منصات عبر الإنترنت لاستهداف واستغلال الأطفال والشباب الضعفاء، وإكراههم من خلال الابتزاز والاستمالة والإساءة. وقد ارتفعت التقارير المتعلقة باستغلال الأطفال عبر الإنترنت بشكل كبير منذ بداية جائحة فيروس كورونا. فقد أفاد نحو 80% من الأطفال في 25 دولة بشعورهم بخطر الاعتداء أو الاستغلال عبر الإنترنت. ووفقًا للمركز الوطني للأطفال المفقودين والمستغلين، ارتفع عدد التقارير عن استغلال الأطفال عبر الإنترنت لتصل إلى 4.1 ملايين تقرير في أبريل 2023 مقارنة بـ 3 ملايين تقرير في الوقت نفسه مقارنة بعام 2022. وهناك نوع آخر من المخاطر عبر الإنترنت وهو تجنيد الأطفال من قبل الجماعات المتطرفة التي تسعى إلى تغيير جذري في المجتمع.
- المعلومات الخاطئة والمعلومات المضللة والأخبار المزيفة: وهي معلومات كاذبة أو معدلة يمكن أن تنتشر بسرعة ويكون لها تأثير سلبي في العالم الحقيقي وعبر الإنترنت، كما تشكل الأخبار المزيفة – المعلومات الكاذبة التي تبدو حقيقية – مصدر قلق متزايد يهدد بتشويه سمعة المعلومات المشروعة ويمكن أن يسبب أضرارًا جسيمة. ولاحظت اليونيسف أن الأطفال الصغار عرضة للتضليل والمعلومات الخاطئة والأخبار المزيفة لأنهم لا يمتلكون بعد المهارات اللازمة للحكم على ما إذا كان الشيء صحيحًا أم لا، وقد يعرضهم ذلك إلى بعض الأضرار النفسية والجسدية نتيجة كونهم أهدافًا للمعلومات المضللة وخطاب الكراهية.
- عمليات الاحتيال والبرامج الضارة وبرامج الفدية: تتعرض الأجهزة بشكل متزايد لخطر التهديدات الجديدة والمتطورة عبر الإنترنت. من خلال نقرات قليلة فقط، يمكن لطفل بسهولة – ولو عن غير قصد – تثبيت برامج خطيرة (برامج ضارة) على جهاز الكمبيوتر أو الهاتف المحمول. على سبيل المثال، قد يتم إغراؤهم بتنزيل لعبة أو النقر فوق إعلان يعرض لعبة جديدة. وبدلًا من ذلك، فهو عبارة عن برنامج متخفٍ قادر على مهاجمة كاميرا الجهاز أو معرض الصور، أو حتى اختراق حسابات الوسائط الاجتماعية والسيطرة عليها. كما أن للهجمات السيبرانية على المستشفيات والمدارس والبنية التحتية الحيوية تأثيرًا مباشرًا على رفاهية الأطفال وصحتهم وتعليمهم وسلامتهم.
ووفقًا لمؤشر أمان الطفل على الإنترنت COSI الصادر عن مؤسسة DQ، والذي يهدف لقياس مدى سلامة الأطفال على الإنترنت، وصلت النسبة المئوية للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 8 و18 عامًا والذين تعرضوا لمخاطر إلكترونية واحدة على الأقل في عام 2023 إلى نحو 67%.
كما استعرض التحليل أهم الطرق للمحافظة على سلامة الأطفال والحد من المخاطر أثناء استخدام الإنترنت:
- أشار التحليل إلى قيام العديد من الشركات بإجراء تحسينات لحماية الأطفال عبر الإنترنت، تحتوي بعض تطبيقات بث الفيديو، مثل TikTok، على إصدارات للمستخدمين الذين تقل أعمارهم عن 13 عامًا؛ حيث يمكنهم إنشاء مقاطع فيديو ولكن لا يمكنهم نشرها. أما تطبيق YouTube، يحتوي على أوضاع “المحتوى المعتمد فقط”، وباستخدام هذا الوضع، يمكن للأطفال فقط مشاهدة مقاطع الفيديو و/أو القنوات و/أو المجموعات التي اختارها الآباء ووافقوا عليها بأنفسهم، ويمنع Instagram البالغين من مراسلة الأطفال الذين لا يتابعونهم، وقد جعل جميع حسابات الأطفال خاصة.
- قد تجعل مخاطر الإنترنت الآباء يرغبون في التخلص من الأجهزة الإلكترونية الخاصة بأطفالهم وإلغاء حساباتهم على الإنترنت. ولكن يمكن للوالدين اتخاذ تدابير السلامة لحماية أطفالهم من إساءة استخدام الإنترنت. لذا تلعب الرقابة الأبوية على الأطفال دورًا كبيرًا في تقليل مخاطر الإنترنت.
- لا ينبغي أن يقضي الأطفال وخاصة الصغار الوقت أمام الشاشات بمفردهم، ولا بد من مراقبة الطفل أثناء استخدامه للأجهزة التكنولوجية، كما لا بد من التحقق من قوائم الأصدقاء، والتحقق من سجل الإنترنت الخاص بالطفل لمعرفة مواقع الويب التي يزورها. مع ضرورة مراجعة التطبيقات الجديدة ومنصات الوسائط الاجتماعية والألعاب قبل تنزيلها أو استخدامها.
- من المهم التواصل المفتوح والصادق والمباشر مع الطفل، وتشجيعه على التحدث بانتظام عن تجاربه عبر الإنترنت، وتطبيقاته المفضلة أو أحدث مقاطع الفيديو التي شاهدها. كما من المهم استخدام لغة بسيطة وأساسية لشرح بعض الأشياء السيئة التي يمكن أن تحدث عبر الإنترنت وأهمية توخي الحذر أثناء استخدام الأجهزة. بالإضافة إلى مساعدته على فهم ما يجوز مشاركته عبر الإنترنت، وما لا يجوز مشاركته، ومن يجوز مشاركة المحتوى معه، وإبلاغه أنه لا ينبغي أبدًا مشاركة المعلومات الشخصية مثل الاسم ورقم الهاتف وعنوان المدرسة أو المنزل والصور عبر الإنترنت.
وأفاد التحليل في ختامه أنه وفقًا للمنتدى الاقتصادي العالمي، يعد إعداد أدوات الرقابة الأبوية على شبكة الإنترنت من خلال جهاز توجيه Wi-Fi أو أحد التطبيقات أو مزود خدمة الإنترنت، هو الخطوة الأولى للحفاظ على أمان الأطفال أثناء التصفح والدراسة والتفاعل عبر الإنترنت. فباستخدام أدوات الرقابة الأبوية، يمكن الحد من وقت الشاشات، وحظر مواقع الويب والمحتوى غير المناسب للفئة العمرية، أو إيقاف الإنترنت مؤقتًا.