بقلم: محمد عبد المجيد _ نائب رئيس تحرير جريدة الجمهورية
عندما تزور أي دولة عربية، من الدول التي ساهم في بناء أنظمتها الحكومية مصريون، تجد تشابه إلى حد كبير بين هذه الأنظمة الحكومية وما تحتويه دواوين الحكومة المصرية، حتى تحررت هذه الحكومات وانطلقت نحو التطور واستخدام أنماط تكنولوجية ساعدتها في التسارع الرقمي.
ولكن تظل القواعد والأسس البيروقراطية المصرية حاكمة لبعض العقول، متصورة أنها تحافظ على دولاب العمل في تسلسل قيادي ووظيفي محكم.
ولكن البيروقراطية حكمت علي المصريين بالتأخر والركود، فمصر عرفت أقدم حكومة مركزية في تاريخ البشرية؛ ولم ينحت المصريون التماثيل لأصحاب المهن المختلفة، ولكنهم نحتوا تمثالا للموظف المصري اعترافا بفضله.
التمثال الشهير المعروف بتمثال الكاتب المصري لا يمثل أحد المبدعين، فالتمثال لا يمثل شخصا بعينه، إنما يمثل طبقة كاملة من البشر، هي طبقة موظفي الدولة، الذين تولوا حصر وتسجيل النفوس والأراضي والمحاصيل والضرائب وأيام العمل.
وحظي مفهوم البيروقراطية باهتمام كبير نظرا لارتباطه الوثيق بمصالح الناس وشؤونهم اليومية التي تضطلع الدولة بالمسؤولية الأولى في التصدي لها، ووضع أدوات ومساطر تنظيمية لتلبيتها وفق منطق عقلاني، ولكن هناك بعد سلبي ارتبط بمفهوم البيروقراطية، إذ صارت رديفا لبطء الإدارة وعسر الحصول على الخدمات والمصالح التي يُفترض أنها تقضيها للناس.
ومع ازدهار العالم في مختلف المجالات خاصة الاقتصادية والتقنية، باتت البيروقراطية عاجزة عن مسايرة ما يترتب على الواقع الجديد من تعقيدات.
مع انطلاق رؤية مصر 2030، حدثت تحولات كبيرة لا يمكن لعاقل إنكارها في الخدمات الحكومية من سهولة الحصول على الخدمة، وتميز هذه الخدمات ولكن وقفت البيروقراطية الرقمية عائقًا أمام المواطن، فهل يُعقل أن يُعلن الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة عن مسابقة عبر بوابة الوظائف الحكومية، تمتلئ بنود التقدم بترسانة هائلة من المستندات والوثائق الورقية التي ينبغي على طالب الوظيفة الحصول عليها بالمرور على عدة جهات منها البريد ووزارة الداخلية ووزارة التعليم العالي، وغيرها للحصول على مستندات ورقية هي بالفعل مرقمنة على مواقع هذه الجهات، ويتم دفع أي رسوم مقررة بعيدًا عن آليات الدفع الإلكتروني التي اعتمدتها الدولة في مشروع التحول الرقمي الذى تم تطبيقه بالفعل.
ونتج عن ذلك ارتفاع الضغط على بوابة الوظائف الحكومية، والتي توقفت بالفعل لعدة أيام نتيجة الزيارات الكثيفة للتقدم ورفع المستندات الدالة على تحقق اشتراطات الوظيفة، مما سبب معاناة كبيرة للشباب المتقدم لهذه الوظائف ومنهم من أدرك أنها مسكنات وليست فرص حقيقة.
ولنا في تجربة الحكومة الإماراتية مثال رائع، فقد أطلقت، برنامجًا جديدًا لتصفير البيروقراطية الحكومية، يتضمن قيام الجهات الحكومية بإلغاء 2000 إجراء حكومي خلال عام، وتقليل مدة الخدمات الحكومية بنسبة 50 بالمئة، ووضعت الحكومة الإماراتية حوافز لفرق العمل التي تقلل من إجراءاتها، ورصد مكافآت تحفيزية تصل لمليون درهم للموظف أو لفريق العمل الذي يتفوق في تقليل وشطب الإجراءات غير الضرورية.
فهل تعيد الحكومة المصرية النظر في المشروع القومي للتحول الرقمي مرة آخري وإعادته لمساره الصحيح والإيجابي.
Ahmah1712@yahoo.com